إلى الخلف در

إلى الخلف در

: فتحي بن لزرق  

في العاصمة المصرية التقيت قبل يومين احد المسئولين اليمنيين الشماليين الكبار الذين عملوا  بوزارة الداخلية اليمنية خلال حقبة الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح".
تعرفت على الرجل قبل 3 أعوام من اليوم عبر رسائل "الواتس آب" وقررت ان التقية هذه المرة مواطنا عاديا يجلس بركن قهوة عادية بشارع جامعة الدول العربية بعد ان أقيل من منصبه من قبل "هادي" قبل أعوام من اليوم.
لسنوات طويلة ظل اسم هذا الرجل يثير "الخوف" والرعب في نفوس كثيرين جنوبا باعتباره قائد عسكري يملك الكثير من السطوة والحضور وتذكرت إنني في العام 2010 حاولت ان التقيه صحفيا وظللت أتابع للأمر شهران دونما فائدة.
دخل لي قبل أيام على الواتس وقال لي : هل صحيح أنت في القاهرة ؟
- قلت له نعم انا هنا
قال :" هل يمكن ان نلتقي ؟
وكان اللقاء في مساء بارد من مساءات القاهرة ، في طريقي إلى المقهى الذي قررنا ان نلتقي فيه تذكرت إنني شاهدت قبل سنوات طويلة موكب الرجل في عدن فأذهلني طول الموكب وقوته .
وهذا المساء سأقابل الرجل وحيدا ، لامواكب ولا قوة ولا حضور ولاحراسة ولابهرج.
وصلت إلى المكان ووجدته في انتظاري ممسكا عصا الشيشة ينفخ دخانها يمينا ويسارا وينظر مليا إلى قدح "قهوة" انتصب امامه هو الاخر وحيدا.
ما أصعب واغرب ان تجد إنسان ما لم يكن لك ان تصل له يوما من الأيام ولو تبذل المستحيل.
جلست إلى جانبه وتحدثنا كثيرا .
كعادتنا تحدثنا انا وهو عن "الرئيس هادي" وحاضر البلد ومصيرها، بدأ الرجل متذمرا من كل شيء لكن جل حديثه كان يدور حول إقصاء هادي للقيادات الشمالية منذ توليه السلطة قبل أعوام من اليوم وضرورة تصحيح الوضع.
قال الرجل :" صاحبكم يافتحي حول الاحتلال اللي تتحدثون عنه إلى احتلال جنوبي للشمال روح شوف المناصب والوزارات والمناصب اليوم بيد من وزراء وسفراء ووكلاء وكل شيء .
قلت له :" ما انتم سيطرتم على المناصب منذ 1994 ولم تتركوا لنا إلا (الفتات).
قال :" وهل تريدون تكرار نفس خطأنا ؟
قلت له :" ليس تكرار للخطأ سمها مساواة وعدالة إلى ان يستقيم وضع البلد .
تحدثنا لساعات حثني الرجل فيها على دعم حركة احتجاجات مناوئة لهادي في "عدن" قالوا اقلعوا أبوه هادي ومن معه ولاتسمحوا له بالعودة واطردوا الحكومة .
وفيما كان الرجل يتحدث تذكرت حضوره الطاغ في عدن قبل سنوات من اليوم وقوته وحجم الفظائع التي ارتكبها بحق النشطاء الجنوبيين والتظاهرات وغيرها وتذكرت ربيع 2011 ورصاص جنوده .
قلت له :" وماهو البديل هل سيعود "الزعيم" ليحكم "عدن".؟
ضحك وقال :" خسرنا الزعيم وليته يعود ..
غادرت بعد ساعة ونصف من اللقاء تقريبا وفي الطريق إلى مسكني قلبت الفيس بوك لاشاهد تسجيل مرئي لجلال الصلاحي وهو يلعن ويسب الجنوبيين وإدارة هادي شاكيا استيلاء الجنوبيين على الحكومة والسلطة ويدعو الجميع إلى اقتلاع الكارثة "هادي" وانفصال الشمال.
رن هاتفي وكان المتحدث الزميل "نصر العيسائي" متحدثا من لندن مذكرني بموعد برنامج إذاعي سأشارك فيه عن الحكومة في عدن وبعد قليل كنت إلى جانب العزيز "عبدالله الدياني" وهو رئيس لجنة التصعيد الشعبي التي تهدف لطرد حكومة "هادي".
ولأكثر من ساعة أنصت لحديث العزيز "الدياني" عن ضرورة طرد حكومة "هادي" من عدن وفيما كان الرجل يتحدث كان شريط ذكرياتي مع المسئول الشمالي في القهوة المصرية يدور على عجالة فالكلمات هي نفس الكلمات والحديث هو الحديث "اطردوا هادي وحكومته" اسقطوا الرجل اذهبوا إلى "المجهول" .
لهادي وحكومته الكثير من الأخطاء والفساد المالي والإداري في جنوب اليمن وهذا أمر لايمكن ان ينكره عاقل وقلتها قبل سنوات من اليوم ان اخطأ "هادي" ستعصد الجنوب مثلما عصدت الشمال ولازلت عند موقفي من هذه الجزئية لكن الشيء الذي لايمكن لأي جنوبي ان ينكره ان "هادي" قدم للجنوب وللجنوبيين بأعوام قليلة مالم تتمكن تظاهرات الحراك وكل هذا الضجيج من إحداثه لعشر سنوات كاملة ، هذه حقيقة لايمكن لأي مخلوق ان ينكرها .
لست من مؤيدي "هادي" وأقولها بكل صريح العبارة إنني لست مع مشروعه السياسي لكنني مع جزئية التمكين للجنوبيين على أرضهم التي ينفذها الرجل بحسن نية بقصد أو دون قصد لأنه وبكل بساطة مغادرة الرجل للمشهد سيخلفه فيها شمالي وسيعود الجنوبيين مرة أخرى لإشعال النار في الإطارات وترديد شعارات "سير سير" .
في الجنوب قصة يجب ان تروى بحيادية ووضوح وهي قصة ان "هادي" مكّن السلطة والنفوذ لكثير من الجنوبيين وحينما مكنها بعض الأشخاص تحولوا إلى أدوات خارجية بعيدا عن إي مشروع وطني جنوبي وفوق ذلك فشلوا في أداء مهامهم وتمت إقالتهم أرادوا هد المعبد على رؤوس الجميع وشعارهم "ثورة ثورة ياجنوب".
و(ثورة ثورة ياجنوب) اليوم  لاتعني في محصلة نهائية إلا إعادة تسليم الجنوب إلى الشماليين وطرد وتخريب كافة المؤسسات الحكومية والوزارات التي تم تأسيسها في "عدن منذ ذلك انتهاءالحرب الاخيرة.
في الطريق الى المنزل كان ثمة رياضي كبير يخبرني بفرح شديد عن البطولات الرياضية الاخيرة التي اقامتها وزارة الشباب والرياضة بعدن برعاية نايف البكري.
قال:" تخيل لم تحتضن عدن منذ خليجي 20 اي بطولات مشابهة .
هذه الحقيقة التي يجب ان تقال للناس بكل وضوح وصراحة (هادي) ليس الخيار الكامل للجنوبيين لكنه المتاح والأفضل على الأقل حتى تترتب الأوضاع جنوبا أما استعجال السلطة قبل أوانها فهذا أمر لايعني إلا ان يصبح "علي محسن الأحمر" أو غيره من الشماليين رئيسا مدعوما من السعودية والخليج ليعيدنا بعض الغوغاء إلى زمن إحراق الإطارات ويعيد "محسن" بدوره السيطرة شمالا مجددا.
"هادي" لن يعلن استقلال الجنوب ابدا ولن يكون انفصاليا لكنه يهيئ كل الظروف للجنوبيين صوب استعادة بلادهم فيما الآخرين لايبحثون حقيقة عن جنوب لكنهم باحثون عن مناصب ولو في ظل وضع وحدوي صرف .
حقيقة نقولها مرة البديل لهادي وحكومته إدارة شمالية صرفة ستجعل الجنوبيين يتمنون عودة هذه الظروف التي مكنتهم من تشكيل ألوية ومعسكرات ومقرات أمنية والحصول على 18 وزارة ومئات المناصب الحكومية الرفيعة التي تعمل كلها مجتمعة إلى جانب تمكين الجنوبيين من أرضهم .
نقولها لمن يعي .. وقبل ان نعود جميعا إلى زمن طقم الأمن المركزي الذي يطارد المتظاهرين بالشوارع.
نقولها ونبرأ ذمتنا من حالة ضياع كل ماتحقق جنوبا من قبل مجانين السلطة وهواة المناصب وهي كلمة لمن يعي .
#فتحي_بن_لزرق
27-نوفمبر-2017

جميع الحقوق محفوظة لموقع #حضرموت_اليوم © 2017

إرسال تعليق

0 تعليقات