كتب| غازي المفلحي
كشفت الزوبعة التي اثارتها تصريحات محافظ عدن الشيخ / عبد العزيز
المفلحي عن الدور السلبي الذي لعبته الشعبوية الجوفاء في تزييف الوعي العام
للجنوبيين وجذبهم الى مربع الغوغاء والعنصرية التي لا تخدم اهدافهم ولا
قضيتهمالأخلاقية العادلة .
تركوا كل الكلام العميق الذي تكلم به والذي كان اشبه ما يكون
ببرنامج عمل لانجاز مهام كبرى، وتحوقلوا حول كلمة ( دحباش ) العنصرية التي اختصرت
بحسب عقلياتهم العقيمة كل المواقف والرؤى والحاضر والمستقبل والقضية برمتها .
في مؤتمره الصحفي الأول تنوعت محاور حديثه وتشعبت ، لكن برأيي ان
واحدة من اهم النقاط التي تطرق اليها كانت عن كيف يمكن ان نهيء الأرضية المعنوية
والثقافية لمدينة عدن لتكون عامل اسناد ودعم لمسيرة استعادة الدور التاريخي
للميناء العتيد ؟
في قراءته لعوامل النجاح في الماضي اشارالمحافظ الى ان واحدة من اهم
العلامات المميزة للمجتمع العدني - ايام كان لعدن موقع ودور عالمي - هو مناخ
الحرية والتنوع والتعدد الذي افرز إنسجاما وتناغما فريدين ميزا الحياة الإجتماعية
في عدن ذلك الزمان ، رغم تعدد المنابت والأعراق والثقافات والأديان لسكانها .
وهذا التنوع والإنسجام الذي ساد المجتمع العدني- بالإضافة الى عوامل
اخرى- كان هو الذي قاد ميناء عدن الىتبؤ المكانة المتقدمة التي احتلها على سلم
الموانىء العالمية ، وبدونه ما كان لعدن ان تتسنم هذا الموقع الفريد .
وكأنما اراد - من وحي هذه
القراءة للتاريخ - ان يبعث رساله للمجتمع العدني بدا واضحا انه يؤمن بها عميقا ،
وهي ان اشاعة روح المحبة والسلام والإنسجام والتناغم داخل المجتمع الواحد هي
بمثابة اعداد البيئة المناسبة لتكونعامل تحفيز وتشجيع لتحقيق الهدف ، بعكس التشتت
والتمزق والنفورالتي لن تكون الا عوامل إعاقة واحباط وتثبيط .
في هذا السياق تماما جاءت كلمته التي اشار بها الى ضرورة الإبتعاد
عن الألفاظ العنصرية والتمييزيه التي تفرق ولا توحد ، تمزق ولا تؤلف
، لأن ما يهدف اليه هو إعادة اللحمة الى النسيج المجتمعي العدني لتكون الى
جانب عوامل اخرىمحثات إزدهار وارتقاء وتقدم .
للموضوع جانبه الفلسفي الذي ينطلق من ان بناء الأساس المعنوي
والأخلاقي يجب ان يسبق البناء المادي النهضوي او بعبارة اخرى يجب ان يعتمد عليه ،
وهذا هو الأساس السليم للبناء وبدونه يكون البناء عرضة للسقوط والإنهيار .
الى هنا يكون ما نطق به منسجما مع مهمته وطموحه وهدفه ، وعند كل
انسان سوي وعاقل ليس هناك خطأ فيما قال ،فهو تأكيد على البعد الإنساني والأخلاقي
النبيل في مهمته الكبيرة ، لكن الشعبويين الذين لا يجيدون سوى لغة التحريض والضجيج
اعتبروا ان دعوته الى البعد عن كل ما من شأنه ان يثير الأحقاد والضغائن وبالذات ما
يتعلق منها بالمواقف والألفاظ العنصرية هو موقف معادي للقضية الجنوبية ، وكأن
القضية الجنوبية لا تستطيع ان تسمع صوتها للعالم الا من نافذة العنصرية والإنعزالية والتمييز .. يا للسخرية
هم لا يفكرون ابعد من انوفهم ، والا لو كانوا يعقلون فسوف يعرفون ان
العالم اصبح الآن قرية صغيرة وان كل ما يقال او يدور في اي مجتمع يتم ملاحظته
ومراقبته بل وتدوينه ، ولأن السلوك العنصري بالقول او الفعل اصبح سلوكا مستهجنا
ومداناً ، فإن العالم لا يتسامح معه ولا يتعاطف مع اصحابهمهما كانت قضيتهم محقة
وعادلة .
المحافظ المخضرم يعرف وهم لا يعرفون، فكان هذا موقفه .. وكان ذلك
موقفهم ، وشتان بين موقفي المعرفة
والجهل .
...............................
الآراء في هذا القسم لا تعبر عن وجهة نظر الموقع فهي تعبر عن وجهة نظر كاتبها
0 تعليقات