محفوظ من ماركسي الى صوفي الى مؤتمري..

محفوظ من ماركسي الى صوفي الى مؤتمري..

كُتب بواسطة : محسن عبدالقادر العمودي  

وضع العمامة على ظهره أطلق عليه ثوري، فتجسس على  أهله، وأصدقاءه، والجيران ، والمعارف ، لحساب النظام الماركسي اللينيني الذي حكم حضرموت، فأطلق عليه مناضل . المناضل محفوظ، خريج بكالوريوس مادة الاجتماعيات، قصير القامة، عريض المنكبين، شاربه مع اللحية متواصل بشكل دائري، ولديه ثلاث نظارات نظارة شمسية، وأخرى لضعف النظر القريب والبعيد، والثالثة للقراءة، خصوصاً هذه النظارة الثالثة يمارس من خلالها أسلوب الخداع النظري. أما رأسه لا تفارقه الطاقية( الكوفية) ومن الصعب ان تتعرف عليه إذا خلع الطاقية من على رأسه، فهو يختلف اختلافا كلياً في كلا الحالتين.
أشتغل بالعمل التربوي التعليمي كمعلم للصفوف الابتدائية، في أثناء الزخم الثوري1981م  تم تفريغه كنائب سياسي في مدرسة "فيدل كاستروا"  الابتدائية، لينشر الأفكار التحررية للنظام الشمولي الحاكم  أنداك الحزب الاشتراكي اليمني، ذو التوجه العلماني الماركسي اللينيني. ففي مراحل الصراعات الحزبية، لفقت للمناضل محفوظ  تهمة سياسية  كيديه، كونه من بقايا اليسار الانتهازي، من الذين  لم تطلهم التصفية الحزبية 1978م بعد حركة الرئيس سالم ربيع علي سالمين في التغيير.  فتعرض محفوظ  للإقصاء والتهميش، تم طرده من المنظمة القاعدية للحزب، تم تغيير طبيعة عمله من نائب سياسي، صاحب القول الفصل في كل ما يعمل في المدرسة، الى إداري مهمش في مكتب التربية والتعليم، وقد بلغ  من العمر الأربعين، قام بمراجعات فكرية، وتخلص من الفكر الماركسي اللينيني، وتحول الى الفكر الصوفي، رأى انه الأقرب الى قلبه و تفكيره. وعلى ضوء هذا غير أصدقاءه وجلساءه، وحتى ملابسه فكل ثيابه أصبحت من اللون الأبيض الناصع، وأستبدل  برنامجه اليومي، بكل ما فيه، فبدل ان يضع العمامة في الطابور عند باب الفندق لشرب البيرة، فالآن محفوظ يضعها في الصف الأول في المسجد، ويحضر دروس الفقه والمواريث ، ويوم الخميس يتفرغ  لحضور المولد النبوي، وأيام أخرى يتنقل بين المساجد، لحضور الحضرات والزفات الصوفية، وكان من صلب اهتماماته زيارة الأولياء والصالحين في عموم حضرموت، يتحرك بحماس منقطع النظير. 
ففي سنة 1990 سقطت المنظومة الاشتراكية، وسقطت سطوة الحزب الاشتراكي،  وجميع أجهزته الاستخباراتية، وأمن الدولة، وقواعده الشعبية بالكاملة بعدما دخل في  وحدة اندماجية مع اليمن الشمالي، وتغيرت ملامح البلاد من كل النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. اُعيد الاعتبار لمحفوظ، بعد ان انضم  لحزب المؤتمر الشعبي العام، وتم تعينه رئيس دائرة التعليم بالمحافظة. أستعاد سيرته الأولى بكل تجلياتها، فأول إجراء أتخذه أنتقم من أصدقاءه، الذين ناصبوه العداء أبان طرده من الحزب، مارس عليهم التهميش، والاقصاء، والاستهزاء. وجعل منهم مادة دسمة، لمتابعة تحركاتهم التي يراها مريبة. وبين الفينه والأخرى، يرفع التقارير عليهم الى مسؤوليهم في مرافقهم التي يعملون فيها، بهذا فتح أبواب العلاقات مع الكثير من المسؤولين بالمحافظة، وظلت شهيته مفتوحة  للوصول الى مركز أكبر على مستوى المحافظة. بدأ يتحلل من المبادئ والأخلاق والقيم الصوفية، ووصل به الحال للتحايل ولف والدوران، ازدادت نوازع حب السلطة والظهور تجري في دمه.
 فوضع هالة على منصبه كمدير دائرة التعليم في أكبر محافظة على مستوى الجمهورية اليمنية، من خلال جمع الألاف الملفات، من بعض الأقسام  التي تم الاستغناء عنها، قام بوضعها على رفوف مكتبه، وأحاط نفسه بالملايين من الاوراق والملفات، لا يكاد يٌرى إلا رأسه عندما كان يجلس في كرسيه.  تجرأ احد الموظفين للحديث مع محفوظ، دعاه ان يطلب من المدير العام  برفده بعدد من الموظفين،  ليكونوا عوناً له في إدارة العمل، ولا يعلم ذلك الموظف المسكين، ان تلك الملفات التي عن يمين وعن شمال ومن فوق ومن أسفل من، ما هي إلا تكتيكات من محفوظ،  لإعطاء ذلك المنصب رهبة في قلوب للآخرين  بحيث لا يطمع فيه أحد الموظفين. أحس محفوظ من  كلام الموظف المسكين جرس إنذار ، وان تكتيكاته  بدأ ت تتضح معالمها وملامحها ، وكأن شيء بدأ يتحرك من تحته، وأخرج عينيه من فوق النظارة، ونظر الى الموظف بطريقة تثير الاشمئزاز والريبة، وضحك وقهقه، من دون ان يتحدث، ورحب بالأمر من خلال هز رقبة ورأسه معاً، ومسح وجهه بمنديله الذي لا يفارقه. وحمحم، وأخذ قارورة الماء وشربها دفعه واحدة، واستأنف حديثه.

يا أصدقائي العمل، في هذا الدائرة، يحتاج ان تكون وقح وغليظ وفض، لا يستطع أحد إدارته الا عبر تلك الأساليب لابد ان يكتسبها عبر سنوات طوال، وخصوصاً نحن أصحاب المواد الاجتماعية، لا أخفي عليكم سراً، انت ترون ان أغلب القيادات التربوية والتعليمية، ومدراء المدارس من ذلك التخصص، لسبب بسيط لا يوجد لدينا ما نقوم به، وكذلك ليس لدينا ما نقول للطلاب، فلهذا أوكلوا لنا قيادة العمل التربوي والإداري، كما تعرفون هذا التخصص خفيف من كل النواحي في الدراسة والعمل فإذا كنت معلم لا مكان لك في المدرسة، تتحول الى معلم حامل للطبقة، التي فيها جدول الحصص تدعوا المعلمين لدخول للقاعات الدراسية، ومن ثم يرشحك المدير لنيابته، بهذا تصبح قيادي تربوي من الطراز الأول.  ليس في تخصصنا أي جديد، والكل يستطيع ان ينجح فيه في أثناء الدراسة الجامعية، هل سمعتم أحد رسب في الاجتماعيات والمواد الفلسفية في الدراسة الجامعية، وأضف الى ذلك مستقبله مضمون، لكون المجتمع في غنى عننا، قل لي ما الذي سأقدمه في هذه المادة، ففاقد الشي لا يعطي،  لا تجعلوني أزيد على ذلك وأكشف أسرار تخصص الاجتماعيات،أتركونا من هذا.
 
أقول من العبث ان يأتي مستجد في  العمل الإداري ليدير هذا الدائرة . مشكلتكم انتم لا تعلمون، لو قدر الله خرجت معاش، او حصل علي مكروه لحضرتي، كيف سيكون وضع مدارس الدولة، أكيد في حاله يرثى لها، قهقه قهقها طويلة، لا تتعجبون، ان قلت  وان الإدارة ترفض ان تعطيني إجازة القانونية، والتي هي عبارة عن ثلاث مائة يوم، فهذا المكان الذي أتربع عليه  لن يستطع احد ان يغطيه، آه لو جاء وقت المعاش، من ذا الذي  يملئ الفراغ الذي سأتركه. لا يمكن لأحد في الإدارة ان يفعلها.
أقترح يا زملائي ، في ان أسيغ رسالة للمدير العام ، بإعطائي ثلاث سنوات إضافية  بعد المعاش، وهناك معي خمس مائه يوم، إجازة مستحقة عند الدولة، وبهذا سأبقى في العمل لمدة خمس سنوات. فهذا التلميحات  التي يرسلها محفوظ في كل جلسة، وصلت للموظفين ان هذه الدائرة لا يستطيع أحد إدارتها إلا المناضل محفوظ، بحكم خبرته، وصبره ،وتمرسه. فالأوهام والأحلام  تراود محفوظ كل يوم، للبقاء في منصبه أكبر فترة ممكنه، حتى يحمي نفسه من الناس والموظفين الذين سينتقمون منه عند خروجه من منصبه، ولطالما عبث كثيراً، وأساء الى الكثر من الناس.

وظل محفوظ لغز حير الموظفين، من خلال تمسكه بالمنصب، فأحد الموظفين، أقسم اليمين ان يكشف سر تمسك محفوظ بهذا المنصب، مهما كان الثمن. ظل يراقبه منذ دخوله الإدارة حتى خروجه، فمحفوظ  برنامجه اليومي، كل صباح يأتي بدراجته النارية المهلهلة فيها كتب مدرسية، وأحياناً نتائج فاضية، من خلال البحث والتنقيب، اًكتشف  أنه يجني الكثير منها، فهو يتابع تراخيص فتح المدارس الأهلية والخاصة، ويقوم بشراء الكتب من التربية بسعر زهيد ويبيعها للمدارس بأسعار سياحية، يقوم بشراء الشهادات التي يتراوح عددها بالألاف،  ويبيعها بأسعار مرتفعة جداً، ويتغاضى عن الخروقات الإدارية، لمدارس الحكومية والاهلية والخاصة، مقابل تسهيلات في توظيف بعض معارفه، وأصدقاءه الذين يستفيد منهم، وفي المساء يشتغل مسؤول مالي في أربع فنادق، وبإضافة يعمل متابع لتركيب العدادات الكهربائية، ويعمل دلال لبيع البيوت والأراضي. كالوحش يأكل كل مما يليه، بطريقة كما يردد دائماً، لا ضرر ولاضرار.
فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن،  ففي 2011م قامت ثورة الشباب، بدأ تلوح الملامح  بتشبيب إدارة التربية والتعليم. تماشياً مع الوضع العربي، ولكن محفوظ ، خلال ثورة الربيع العربي، يهزأ من الشباب، ويصفهم بشباب طيحني نسبة لموضة السروال، والذي يخرج من الخصر قدر الأربع الأصابع . ففي كل يوم يكثر من سباب الشباب والثوار، ويزمجر، ويدعو الأجهزة العربية الى الضرب بيد من حديد، كل ذلك للحفاظ على منصبه، لكون سقوط النظام  العائلي في صنعاء يعني سقوطه في المكلا، ستذهب كل طموحاته آماله التي كان يرددها للموظفين أدراج الرياح.

تبخرت أحلام وآمال محفوظ، بسقوط النظام العائلي في صنعاء، فهتز، وأرتبك، وبدأت حركته تضعف، ودخل في جسمه الوهن، وأصيب بالسكر والضغط، وكثر غيابه. وفي اليوم الثاني لسقوط النظام في صنعاء ذهب الى  المدير العام ،  لعله يطمئنه على مستقبله، ولكن المدير نفسه قال انا في حيرة من أمري، ومستسلم للقادم كيفما قدم، ولكن محفوظ أخذ في المناورة، عبر استدعاء كل علاقاته التي ربطها أثناء قيادته لمنصبه. وحصل على بعض التطمينات من بعض أصدقاءه، والمسؤولين ببقائه في منصبه، بل ستتعاقد معه التربية لمدة خمس سنوات، في حاله خروجه للمعاش بعد ثلاث سنوات. بهذا ضمن ثمان سنوات في العمل. وعاد الى نشاطه ومراوغاته الفجة، والصفقة، والقذرة، والقبيحة، بل زاد منها ضعفين.

ففي يوماً كان حامي غباره، أسود اللون. بينما كان محفوظ، يتبجح بعلاقاته بالمسؤولين بين الموظفين، دخل عامل الخدمات الإدارة، وشوش في أذنه، فتغيرت ملامحه، فاحمر، وأصفر، واسود، وتكهرب، ولبس طاقيته (الكوفية) خرج من المكتب مسرعاً الى مكتب المدير العام، ولم يخرج من عند المدير إلا محمول على أكتاف الرجال، بعدما أخبره المدير العام ، لقد وصلت رسالة من الوزارة  بإعطائه إجازة، ثلاث سنوات، وهي عبارة عن فترات الإجازة التي لم يأخذها طوال عمله كرئيس لدائرة التعليم، وأرفق بإخطار الإجازة ، تعميم عليه تجهيز أوراقه ومعلومات للمعاش، والخبر الأخر الذي أجهز على محفوظ. كان صادماً لكبريائه. وهو وتعيين صديقه الذي كان محفوظ  يتبجح كل يوم عنده،  بعدم استطاعة أحد بإدارة هذا المكان، لقد أصيب محفوظ  بجلطة دماغية، عند إعلامه سمع بذلك. وهكذا لطالما سقط رؤساء دول تحت أقدام الجماهير، هاهو محفوظ يسقط أمام الموظفين مغشياً عليه. لقد ذهبت السلطة بالكثير من المستبدين، ولن يكون محفوظ آخرهم.‏ 



تابعونا على شبكة حضرموت اليوم عاجل من خلال :
الفيسبوك اضغط هـنـا
لينكد إن اضغط هـنـا 
بنتيرست اضغط هـنـا 
جوجل بلس اضغط هـنـا

جميع الحقوق محفوظة لموقع حضرموت اليوم عاجل©2018
#قناة_حضرموت_اليوم_عاجل على التيليجرام

إرسال تعليق

0 تعليقات