انه مكر التاريخ بالانسان الحاكم عندما لا يصغى لصوت التاريخ

انه مكر التاريخ بالانسان الحاكم عندما لا يصغى لصوت التاريخ

محمد الحداد
 أرشيف الكاتب
منذ ان فك الانسان ارتباطه العضوي القهري بمملكة الطبيعة وقطع مع تاريخه الطويل المشترك مع كائنات الطبيعة وانفصل عنها ليستقل بعالمه الانساني الاجتماعي المختلف،انتهت حقبة الانسان الطبيعي (البدائي) وابتدت حقبة الانسان التاريخي التي ارهصت بميلاد الانسان الحضاري وقيام الحضارة .
لقد دشن الانسان الواعي مذاك تاريخه الانساني الخاص به ليولد بالتزامن مع هذا التدشين الانسان الحضاري الذي استحق السيادة على الطبيعة وادارة وتوظيف مواردها لصالحه في مكان الانسان البدائي الذي كان يعيش عائلا عليها وتحت رحمة تقلباتها واقدارها( ومعها ابتدأ التاريخ اي تاريخ الحضار ات الانسانية على الارض الذي مكن الانسان من ان يفرض هيمنته وسيادته المطلقة على الطبيعة والخلافة في الارض واستعمارها كما ارادت له المشيئة الالهية المصدقة لما جاء في الكتب السماوية . ( اني جاعل في الارض خليفة ) ولم يكن ذلك ممكنا من دون انفصال الجيل الاول من الاوادم الطبيعيين البدائين عن عالم الطبيعة والحيوان و تاريخ الطبيعة وتدشينهم لتاريخهم الانساني الاجتماعي المستقل عن مملكة الطبيعة والحيوان .



و كان لابد وان ينقرض مع ظهور عصر الانسان التاريخي الحديث الانسان الطبيعي البدائي ( البشر) القديم وولادة الانسان التاريخي الجديد المؤهل للخلافة على الارض واستعمارها الامر الذي فتح الافاق لدخول الانسان عصر الحضارة مذاك و الذي ترافق مع ظهور عصر الرسالات السماوية وظهور الانبياء والرسل لتذكير الانسان بين الفينة والاخرى بعهود الخلافة الذي تعهد به امام ربه في عالم الغيب بمبادئ وواجبات ومقاصد الخلافة وحدودها وضوابطها حتى يستقيم امره مع واقعه التاريخي ومحيطه الطبيعى والكوني الاوسع كلما اشتط الانسان وطغى او تقاعس عن واجبات الخلافة اوخانها وضاق بحدودها وتجاوزها وعاث في ارض الله فسادا... وهكذا ظل ديدن السماء في علاقتها مع انسان الارض ترسل الرسل اوتلهم المصلحين بالشرائع السماوية اوالوضعية في حالة المصلحين المفكرين تترى في دور رقباء امناء على تطبيق استراتيجية و مقاصد خلافة الانسان على الارض في تحقبق العدل والاحسان و الحفاظ على التوازن في ادارة موارد الارض البشرية و الطبيعية كوظيفة ازلية ارضية للانسان التاريخي منذ ان عهد اليه بخلافة الارض واختياره لحمل الامانة الكبرى من دون الكائنات ( اني جاعل في الارض خليفة) .
التي صار مؤهلا لها بعد ان اكتسب مفاتيح العلم بها ومعرفة اسرارها وتسخيرها لمصلحته بعد ان تعلم اسماءها مباشرة من ربه ( وعلم ادم الاسماء كلها) .وكما ارادت المشئية الربانية ان تستمر خلافة الانسان في الارض ارادت قبل ذلك تاهيله بملكات العلم بها واستكناه اسرارها والتعلم منها والاتنقطع بعد ذلك رقابة الخالق للانسان وتذكيره بعهده مع ربه كلما نسي و جار وانحرف عن الجادة .



و حتى في مايسمى عهود الفترة وانقطاع انزال الرسالات والرسل استمرت تلك الرقابة ( الرحمة الربانية) وذلك عن طريق الهام رجال الاصلاح والفلسفة والعلم والفكر بمتابعة دور الانبياء والرسل في الاصلاح ، حتى اذا مافشل هؤلاء في وقف جور وفساد الحكام الخلفاء وتعرضوا لملاحقات وانتقام الطواغيت وتوقف دورهم في وقف سد الفجوة بين واقع السياسات و اهدافها و واتجاهات تطور حركة التاريخ وتجسير الهوة بين مصالح الحكام ومصالح شعوبها. واستمر ت وازدادت ظاهرة التنافر والتعارض بين مصالح الحكام الطغاة ومصالح الشعوب المشهورة المغلوبة على امرها اتسعت الهوة بين السلطة والمجتمع واتسعت قاعدة المتضررين من سياسات السلطات وازدادت معها الخصومة السياسية والنقمة الشعببة لتتحول الى ازمة ثقة متبادلة بين الطرفين تتسع معها ظاهرة اليأس وانعدام الامل في تحقيق اصلاحات جدية لمسار وادوات الحكم وعندها تنتقل المعارضة الشعببة من حالتها العفوية الغير الموحدة الى معارضة منظمة ومؤسسية موحدة تحمل برنامجا سياسيا شاملا يتجاوز الاصلاح بادوات الحكم القديمة ومن خلال السلطة ذاتها التي تتحول الى الخصم والحكم في ان واحد الى رفع شعار التغيير الثوري الشامل الذي يطال السياسات ومناهج ادارتها وادوات الحكم القديمة الفاسدة وبادوات شعبية جديدة تنبع وتعبر عن نبض شعوبها المنتفضة مثل هذا النمط من الا اصلاح والتغيير الثوري الشامل وربما العنيف يضطرد في البلدان المتخلفة وشبه المتخلفة في العصر الحديث والمحكومة بانظمة استعمارية او تابعة وهو قد ينجح كليا اوجزئيا او قد يتعثر.

 بيد ان هذا النمط من التغيير قد لا يتأتى في حال بلدان ديمقراطية حرة وانظمة حكم مدنية ومؤسسات تمثيلية منتخبة مباشرة من قبل شعوبها اذ تتحرك عجلة التغيير اذا ما توقفت ودب الفساد والضعف في ادواتها وانظمتها بحيث تطلبت تجديد وتفعيل وربما تغيير كليا من خلال مؤسسات المجتمع المدني السياسية منها والاجتماعية و الاعلامية التي تتوحد جميعها في وبادوات معارضة مدنيه ديمقراطية في الضغط على المؤسسة البرلمانية وتحديدا المعارضة البرلمانية التي تقوم بدور قيادي في تصحيح وتجديد ادوات ومناهج الحكم بما يستجيب واتجاهات ونزعات تطور اللحظة التاريخية الملموسة التي يمر بها المجتمع والتي تختلف بحسب درجة تطور المجتمع وخصوصياته وعوامل اخرى و غالبا ما تتولى قيادة المعارضة والتغيير المؤسسات الاجتماعية والبرلمانية ووسائل التعبير عن الراى العام بصفتها استمرارا غير مباشر للرقابة في الدول الوطنية الديمقراطية الحديثة فيما تمثل الثورات الشعبية قدر الله في ارضه ضد انحرافات وطغيان سياسات الحكام ووسيلة عملية باعادة التوازن بين التاريخ وسياسات المستبدين الطغاة في النظم الا ستبدادية كما في عالمنا العربي على سبيل المثال ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) انها قوانين التاريخ الحتمية المضطردة في خلقه ومخلوقاته في ارضه والجميع مخلوقون لله وفي قبضته.



 ان ظاهرة الثورات المضطردة في تاريخ الدول والمجتمعات تمثل احتجاج التاريخ ودفاعه عن حقوقه ووجوده في وجه تعديات وظلم السياسات الجائرة للنظم ( الشكل السياسي لمفهوم الخلافة .انه مكر التاريخ بالانسان الحاكم عندما لا يصغى لصوت التاريخ ويصم اذنيه عن مطالب الشعوب والخلاصة المستفادة من تجارب التاريخ الحديث والقديم في جميع بلاد العالم بصرف النظر عن مستوى تطورها وواقع العلاقة بين الشعوب والانظمة ودرجة والتعارض بين توجهات السياسة ومطالب التاريخ الملموس ان تطبيقات مفهوم الخلافة في المفهوم الواسع والشامل والمتعدد المجالات والمستويات يتميز منذ ظهور الحضار ات وتحول الانسان التاريخي من معتمد في وجوده على ماتهبه له الطبيعة الى سيد على الطبيعة ومتصرفا فيها ومسخرا له وصانعا لتاريخه وصاحب سلطة مزدوجة على الطبيعة و التاريخ .

الاانه مع كثرة طغيانه وفساده في ممارستها وعشقه للهيمنة والسلطة ومالكا مطلقا لها في كثير من الحالات كان دائما تحت رقابة سلطة اعلى منه تشاركه من حيث اعترف اولم يعترف يظهر اثر هذه السلطة الفوقية عند درجة معينة ومتطورة من فساد السلطة وتحويلها الى طاغوت يدعي حقوقا الهية اوحقوقا مطلقة لا تكون الا الله .
ومن امثلة هذه الرقابة رسالات الانبياء والمصلحين فاذا ما فشلت مشاريع الاصلاح الديني او الاجتماعي عبر المفكربن حلت مكانها سلطة التاريخ وانتقامه الماحق عبر انتفاضات وثورات الشعوب المقهورة كقدر كاسح ساحق لامفر منه ولامناص كعقوبة دنيوية الهية معجلة ضد كل من انحرف بمبدأ الخلافة عن مقاصدها وعهودها التي تعهد بها الانسان التاريخي في الازل وخان امانة الاستخلاف على الارض .


ولنا من تطورات وحقائق التاريخ العربي المعاصر والمألات الكارثية لطغيان وفساد الحكم والخروج به عن مقتضيات الخلافة بمفاهيمها الشرعية الدينية او في اطارها التطبيقي التاريخي وسنن التاريخ المضطردة في حياة و تاريخ الامم عبر القرون ما يبرهن صحة ماذهبنا اليه . وان الحكم لله في الازل وللتاريخ وسننه في الارض. وان السياسات مهما بلغت بشاعاتها زائلة وان قوانين وسنن التاريخ هي الباقية من قبل ومن بعد وان الارض لله يورثها من يشاء من عباده . والحديث بقية ان شاء الله

إرسال تعليق

0 تعليقات