التصالح مع الزمان
تتعدد أسباب وبواطن الخوف ، ولكن أشدها على الإطلاق ، الخوف
الذي يتحول إلى "فوبيا" تُسيطر على العقل والفكر ، وأكبر خوف يخشى منه
الإنسان ، هو الخوف من الزمان ، الذي يسرق كل شيء ، فهو يمنح ما يريد ، ويمنع ما
يشاء ، فالزمان يملك الخوف والأمان ، ولكن من يخشى الزمان ، لن يستطيع أن يحيـا
فيه ويتعايشه ، فالزمان بإيجابياته وسلبياته ، هو أمر واقع مفروض علينا ، ويجب أن
نُصادقه ولا نخشاه ، وللأسف ، نحن ندور في بؤرته وداخل دائرته ، وفوبيا الخوف منه
تكاد تكون غير منطقية .
فالخوف من أي شيء ربما يكون فيه شيء من المنطق ؛ لأننا يمكننا
أن نبتر هذا الشيء من حياتنا ، ولكن كيف لنا أن نبتر حياتنا من حياتنا ، فالزمان
هو أيام حياتنا ، هو من نحيا فيه وبه ، فالبعض يخشى مرور الأيام ، والبعض الآخر
يخشى غدر الزمان ، وآخرون يخشون من تبعات الحياة ، وهكذا تتعدد صور الخوف من
الزمان ، ولكن هل بخوفنا هذا تجنبنا أي شيء ، مهما كانت قوته أو بساطته ؟! فالزمان
يحتاج إلى المواجهة والصمود ، والقدرة على التواجد على أرضه ، وهذا لن يحدث إلا
بالتصالح مع النفس ومع الحياة ، ورغم أن الكثيرين يرددون دائمًا تعبير أن الإنسان
مُسَيَّر وليس مُخَيَّرًا ، فأظن أنه ليس هكذا دائمًا على الإطلاق ، فأحيانًا
يستطيع الإنسان أن يختار ، حتى لو كان ليس بإمكانه أن يختار سوى طرد الخوف من قلبه
، فهذا الاختيار في حد ذاته كفيل بأن يضمن له أن يعيش مُخَيَّرًا طيلة عمره ؛ لأنه
في هذه الحالة لن يخشى من الزمان ، ولن يعتبر نفسه ضحية اختيارات القدر .
فسواء تصالحنا عليه أم لا ، هي حياتنا التي لابد أن نتعايشها
بمنتهى الرضا والقناعة ، وعلينا أن نقتل بداخلنا فوبيا الخوف منه ؛ لأن غدره مهما
بلغت جسامته ، فهو نابع من خوفنا واضطراب أعصابنا ، فتقبل الواقع والتصالح معه
يمنع الشعور بغدر الزمان ، والرضا بالقضاء والقدر ، يقتل الخوف من الزمان ، ومن يريد أن يعيش في أمان لابد أن يتصالح مع
الزمان .

الآراء في هذا القسم لا تعبر عن وجهة نظر الموقع فهي تعبر عن
وجهة نظر كاتبها
0 تعليقات