علماء المال والسلطه

علماء المال والسلطه

أحدث المقالات

عبدالحكيم الجابري

يحكى أن أحد العلماء من السلف تكلم على أحد أمراء المؤمنين بما لا يعجبه ويرضيه أمام الرعية، فأمر حاشيته أن يعزلوه عن وظيفته..

 قالوا: ليس له وظيفة يا أمير المؤمنين!!

 قال: احرموه من العطايا..

قالوا: لا يأخذ عطايا!!

اقرا ايضا :بدون مبالغة!

قال: إذا أوقفوا عنه الهبات..

قالوا: لم يأخذ هبة قط!!

قال: أمنعوا عنه الأموال من بيت مال المسلمين..

قالوا: لا يأخذ شيئا يا أمير المؤمنين!!

فاستشاط غضبا وقال: إذا كيف يأكل؟!

قيل له: لديه حرفة يتكسب منها.


قدمت لمقالي هذا بتلك الحكاية، لأعطي القارئ صورة عن للعالم الرباني، الذي حرص على عدم ربط دينه بعطايا وهبات الحاكم، ولم يضع علمه رهن لقمة العيش وكم من المال والمنصب الذي سيقدمه له الحاكم، انما تحرر من كل ذلك واحتكم فقط لحكم الله عز وجل بعد أن حرر نفسه من العبودية للمال والجاه.


تاريخينا لايخلوا من علماء ودعاة ممن مالوا ميلا جرفهم نحو زخارف الدنيا الواهمة، فغدوا من حاشية الزعماء والرؤساء، موظفين في حكومات ميزان العدل لديها مكسور، وفسادها معلوم للخاصة والعامة، فقد كان يقول الإمام الغزالي في “الإحياء”: “الدخول على الأمراء مذموم جداً في الشرع، وفيه تشديدات وتغليظات تواردت بها الأخبار والآثار”، فكيف بمن دق الأبواب، وانتظر عند عتبات الملوك والزعماء والحكام، لنيل رضا أو كسب حفنة من مال، أو تحقيق رغبة في تصدر منصب وجيه؟! وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: “إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه، فيخرج ولا دين له، قيل له: ولمَ؟ قال: لأنه يرضيه –أي السلطان– بسخط الله“.


فإذا كانت شدة السلف على من أتى أبواب الحكام في عصرهم، فكيف يكون الأمر لو رأوا من ينتظم اليوم تحت مظلتهم ولا يتكلم في قضايا الأمة المصيرية إلا بأمرهم، وهو مع ذلك يرفل في ثياب النعمة، ويتقاضى أعلى الأجور ويسكن القصور، وينعم بأعطياتهم بين الحين والآخر؟ وصدق من قال: وعين الرضا عن كل عيب كليلة.


اليوم بتنا نشاهد بعض من نطلق عليهم لقب علماء ودعاة، قد تركوا أماكنهم في مجالس العلم والدعوة، وانشغلوا بالدنيا وزخرفها الزائل، نراهم يسابقون الناس على ابواب الحكام واصحاب المقامات، وخصصت لهم المقاعد في مجالس أهل السلطان والجاه، حريصين على البحث عن كل باب يأتيهم منه المال، والسعي على كل درب يبلغهم المناصب، وقد تخّلوا عن أهم واجباتهم، وهي بذل النصيحة للحكام وتبيين الحق لهم وان أغضبهم ذلك، وأن ينتصروا للمظلومين، وذلك بتنبيه الحكام على موقع الظلم إن كان من طرف مرؤسيهم، أو ببيان عاقبة الظلم وشناعته، إن كان الظلم من طرف الحاكم نفسه، وهذا الأمر من تمام النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم.


نعلم تماما إنه بتوقير العلماء تحفظ الشريعة، وتنشر أحكامها، وتجتمع الأمة، وتأتلف كلمة المسلمين، ويأتمر العامة بكلمة العلماء لما لهم من مكانة ووقار، ويفيء المسلمون لدينهم عند نزول الفتن والأمور المدلهمة، ولكن وأقولها وبأسف شديد، ان تحول البعض من علمائنا الى "علماء للسلطة"، فانهم لايخالفون نهج السلف فحسب، انما هم يرتكبون ظلما على أنفسهم وعلى عامة الشعب والبلاد،  لأنهم يضفون نوعا من الشرعية الدينية على الحاكم المستبد، ويساعدونه على مزيد من التسلط والاستبداد بفتواهم، التي لا يرعون فيها ذمة ولا يصونون بها علما، مما يجعل الحاكم يستمد منهم وجوده وشرعيته، فينسون النصح له، ولا يرون مقاومة ظلمه وجبروته، ويطوعون النصوص الدينية لخدمته، فيلوون أعناقها ويؤولونها حسب ما يراه ويعتقده، فيدعون أن طاعة الحاكم وإن كان ظالما واجبة ولا يجوز الخروج عليه، بل بمجرد وقوفهم على باب الحاكم، أو تسابقهم على مجالسه هو تشجيع له على الاستمرار في ماهو عليه من أخطاء، كما ان ذلك مانع لأن يقول العالم أو الداعية كلمة منصفة وهو يرفل في نعيم الحاكم.




متعلقات 

Recent Posts Label

إرسال تعليق

0 تعليقات