أحدث المقالات
عبدالحكيم الجابري
خلال الدورة التي شارك فيها ممثلون لنقابات عمال شركة النفط، وفروعها في حضرموت بشقيها، وعدن وتعز، والمهرة ومأرب، ابهرتني روح الحماس والحرص من قبل المتحدثين، على استعادة النقابات العمالية لأدوارها،
ليس في شركة النفط اليمنية فحسب، انما أيضا على مستوى كل المؤسسات والادارات وجميع أماكن العمل، باعتبار النقابات حزب الجميع، وهي وحدات البناء الأساسية للمجتمعات، وعليها تقع كثير من المسؤليات والمهام، أقلها الدفاع عن حقوق منتسبيها، وأعلاها مسؤليات وطنية سياسية، تجسدت في كثير الأدوار التى قامت بها النقابات العمالية في العالم، وسجل التاريخ كثير من الأحداث التي كانت النقابات هي قاعدتها ومحركها، وغيرت الاحتجاجات النقابية كثير من الأنظمة والحكام في العالم.
وفي اليمن كانت النقابات حاملة مشعل التحرير من الاحتلال الأجنبي، ويذكر التاريخ بكل فخر دور النقابات في عدن وعدد من مناطق الجنوب، التي بدأت ملامح تشكلها في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين،
وتنامت وبرز دورها في اربعينيات القرن نفسه، من خلال تبني القضايا المطلبية والحقوقية للعمال، واتخذت في كثير من أنشطتها طابع سياسي معارض للاحتلال البريطاني، ومن ذلك الانتفاضة العارمة التي نظمتها النقابات في عدن، احتجاجا على تقسيم فلسطين واعلان الكيان الصهيوني، واستمر الدور الفاعل للنقابات العمالية في اليمن الى مابعد تحقيق الاستقلال، وبعد قيام الدولة الوطنية ونشؤ النظام الشمولي تم احتواء النقابات، وانصهرت مع النظامين الشموليين الحاكمين في صنعاء وعدن، واستمر الحال خلال سنوات الوحدة الاندماجية بين شطري اليمن.
الأمر الأهم والأخطر الذي تحدث عنه قادة نقابات عمال شركة النفط، في دورتهم الاستثنائية في المكلا، هو ماتعرضت له شركة النفط اليمنية، من مؤامرات من قبل جهات وأشخاص في الدولة، وكيف تم انهاء الدور الوطني للشركة، التي كانت منذ تأسيسها أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني، كونها ملك عام للشعب والوطن، سعت قيادات حكومية وفي دوائر القرار ومن خلال مواقعها، الى استغلال حالة الحرب القائمة وضعف مؤسسات الدولة، بأن التفت على قرار رئيس الجمهورية، بشأن تحرير سوق المشتقات النفطية، الصادر في مارس 2018، والذي كان قرارا اضطراريا ولمدة أربعة أشهر فقط، لمعالجة الأزمة الحادة في الوقود، ولكي يستقر تموين مناطق البلاد بهذه المادة الحيوية بصورة عاجلة، وأن يتم بعد ذلك اعادة النظر فيه وتنظيم العملية، الا ان اللجنة الاقتصادية في الحكومة استغلت ذلك القرار، وفتحت مجال الاستيراد لمن هب ودب، دون وضع ضوابط أو احترازات، الأمر الذي دفع بتجار المشتقات النفطية الى سحب العملة الأجنبية (الدولار)، والمضاربة بالعملة وخلق فوضى عارمة، كانت من نتائجه الانهيار المتواصل للعملة الوطنية، وادخال جميع مناطق البلاد في انهيار اقتصادي ومعيشي شامل، يعاني منه جميع أفراد الشعب.
ومن المؤامرات التي تعرضت لها شركة النفط اليمنية، قيام المصفاتين الوطنيتين عدن وصافر ببيع الوقود بشكل مباشر للتجار، وعدم بيعه عبر شركة النفط، وكل ذلك أدى الى تغييب الشركة، وجعلها موظفة لدى التجار ومسوقة لموادهم فقط.
ان حديث القيادات النقابية لعمال شركة النفط اليمنية، عن تعرض الشركة لمؤامرة، ليس بالقول الذي يمر، انما يجب أن يقف الجميع أمامه، وأن يطالب كل شرفاء الوطن التحقيق، ومحاسبة كل من تآمروا على واحدة من أعمد الاقتصاد الوطني، وأن يعلن رئيس الجمهورية الغاء قراره بشأن تحرير سوق المشتقات النفطية، ليس لأنه قرار خاطئ في توقيته فحسب، بل لأنه أستغل من قبل الفاسدين والمتاجرين بقوت الشعب، وقاموا بالالتفاف عليه وتجييره لمصالحهم على حساب مصلحة الوطن والمواطن، وعلى أن تستعيد شركة النفط اليمنية دورها، بأن تكون هي الجهة المخولة لاستيراد المشتقات النفطية، لانهاء مضاربات التجار وسحبهم للعملة الأجنبية، وتلاعبهم بأسعار الوقود وممارستهم الابتزاز في ذلك.
ان الغاء القرار الرئاسي هو ضرورة ملحة، كون البلاد تعيش حالة حرب وانهيار اقتصادي ومعيشي شامل، الى جانب ان لدينا شركة وطنية من صلب مهامها استيراد الوقود وتسويقه، يبقى أن تدعم الحكومة شركة النفط بفروعها لتقوم هي بالاستيراد، وبحسب حاجة الأسواق المحلية للمحافظات والمناطق، وهو العمل الكفيل بانهاء احتكار التجار وابتزازاتهم الدائمة، والحفاظ على العملة الأجنبية وبما يحمي العملة الوطنية، التي ستكون في منأى من مزيد من الانهيارات، بل انها ستتعافى، ومعها ستعود العافية للاقتصاد الوطني، وستتحسن الأوضاع المعيشية والحياتية للشعب.
0 تعليقات