![]() |
محسن العمودي
أرشيف الكاتب |
أهداني الإعلامي محمد سالم بارمادة رواية الموسومة "
خلخال ذاكرة" لنجله الكاتب والروائي سالم محمد بارمادة حتى أكون صادق مع نفسي
والآخرين فالرواية تحتاج لناقد عرف الطريق وألفه، وخاض تلك المسالك الإبداعية
للنقد. بحكم اهتماماتي بأشكال الإبداع الأدبي حاولت أن أضع بعض الانطباعات التي
رافقتني عند قراءتي لفصول الرواية الممتعة والشيقة. فهي حكاية لونها الكاتب
بارماده بألوان الحياة من الأزرق والوردي والأخضر والأسود والبنفسجي والقرمزي
والرمادي وختمها بالون الأبيض فكانت لوحة إبداعية ترغمك وتجبرك على الغوص فيها.
ملخص الرواية
----------
الرواية تتحدث عن البطل حسان بكر أبيه، لم تمهله الأيام
للاستمتاع بحنان الأم فقد توفيت نتيجة عسر في الولادة.لم يستطع الأطباء إنقاذ
حياتها تم إنقاذ الطفلة ، أسموها "رنين" ولم تجف دموع حسان على فراق
أمه، فتلاحقه مصيبة أخرى، يتفا جئ ان والده قد تزوج في السر، وبهذا أصبح حسان
ورنين وجدتهم أم والدتهم في مهب الريح، لايملكون شئ من حطام الدنيا الزائل. وتم
طردهم من البيت التي يمتلكه والد حسان من قبل خالتهم، فكل الذكريات التي تذكر حسان
بوالدته قد طارت مع مهب الريح ،وأصبح حسا ن وحيداً يقلب الأمور،لم يواسيه إلا
الخالق جل في علاه وهو الذي يرث الأرض من عليها، فستسلم وأنقاد للذي كتبه الله
عليه وعلى أخته والجدة.
في لحظة فارقة تقرر الجدة السفر إلى لندن،والغضب يتملكها
ولتترك البلد بأكملها. وفكرت للإقامة عند أبنتها الثانية التي هاجرت إلى بريطانيا
منذ سنين طويلة، وما كان من حسان ورنين إلا اللحاق بالجدة التي لا يوجد لهم في
الدنيا سواها، وبعدما تخلا عنهما والدهم تحت ضغط الخالة الرعناء، لم يقدر والد
حسان الموقف من ضياع حسان و رنين، فغلبت على الوالد الأنانية. فكانت تلك المأساة
التي ولج فيها حسان، وهو الصبي الغض الطري،وخاض الاغتراب دون أن يكون مستعد ومن
دون سابق إنذار.
عاش حسان في لندن بكل مافيها من حب وعشق وشغف من خلال
علاقاته البريئة. وأخذت تفاصيل الحياة تأخذ من تفكير حسان وهو يدرس في كبرى جامعات
بريطانيا بل أتخذ طريق الكتابة والإبداع الروائي والقصصي طريقا له، لطالما حلمت
أمه بأن يكون كاتب كبير تتحدث عنه والقنوات الصحف فتيسر له ذلك الطموح بجهود تكاد
تكون استثنائية وأخذ الكثير من القنوات مقابلات والأحاديث الصحفية مع كبرى الصحف
البريطانية.
لاحقت المواجع حسان في الغربة، قرر العودة إلى الوطن أرض
الإباء والأجداد، وفي الأصل أراد أن يخبر والده بالحب الجارف الذي ظل يلاحقه
بحبيبته" طيف" التي تشابها معها في الظروف الأسرية، فطيف فقدت والدها
مبكر بعد مرض عضال وحسان فقد والدته في أثنا والدتها . فإصرار "حسان" على
العود يأتي من باب بر الوالدين ان هذا الأب سبب لولوجه إلى الدنيا،سواء أساء أم
أحسن في النهاية فهو يحمل أسمه فحسان ألح على الجدة ورنين للعودة إلى أرض الوطن. تتلاحق
الصدمات فعند وصولهم إلى بيت الوالد أبلغتهم الخالة بوفاة والدهم، وتخبرهم الخالة
ان والدهم وقد أوصاها بأن يأخذوا أرثهم الشرعي في البيت فهم لديهم أخ. فعادت
الذاكرة لتلك الأيام الخوالي التي قضاها حسان في ذلك البيت وتلك الغرف التي طالما
عاش فيها مع والدته ويعرف كل جزء فيها.
لكن الجدة لم يرق لها البيت والعيش فيه وهي ترى شريكة
أبنتها لاتزال لها الكلمة الفصل في البيت، فتركت البيت،وخرج معها حسان ورنين ولكن
لم تترك لهم المقادير ساعة لأخذ أنفاسهم،فقد ركبوا سيارتهم ولكن المقادير شاءت ان
تصطدم بمركبة أخرى. ففقد حسان الوعي، وترك الجدة ورنين في غيابه حتى أفاق من تلك
الغيبوبة.ويرى مأساة الجديد فقد ماتت الجدة في الحادث التي هي أخر غصن يتشبث به
حسان فتلونت الدنيا بالون الأسود. لم تبقى له إلا أخته رنين.
وبدأ حياة تعود إلى انسيابيتها وجاء اللون الأبيض الذي
أتحف نهاية الرواية بزواج حسان من طيف التي تعرف عليها في الطائرة التي غادرها إلى
لندن التي طالما شغفه حبها، وحازت على كل تفكيره وأحاسيسه وتملكت تلابيب عقله
وروحه وقلبه.فكان خيار حسان الزواج من طيف والاستقرار في أرض الوطن وترك كل المآسي
في سلة الإهمال. وبداية حياة جديدة عنوانها "الحب وبس" وبعدما تعرض
للكثير من الحزن والخذلان والمآسي منذ نعومة أظافره فكانت النهاية باللون الأبيض
والذي يشبه ثوب زفت فاتنة "طيف" فتلك الرواية التي خطها الروائي سالم
محمد بارماده.
أزهار وأشواك على رواية خلخال ذاكرة
-------------------------
الرواية هي باكورة أعمال الكاتب سالم بارماده وتنتمي
للدراما الاجتماعية، وهي من الحجم المتوسط يبلغ عدد صفحاتها 175 طبعت بدار سما
بجمهورية مصر العربية ، فالرواية تحف ولوحه لونها بالعديد من الألوان لرسم الحياة بتفاصيلها
اليومية فهذا الشكل الإبداعي،لطالما أنتظره العديد من النقاد والمتابعين لتطور
الرواية في الوطن العربي. . في ظني أن اختيار أللألوان لفصول الرواية دليل على
تقلب الدنيا بأحوال الجماعات والأفراد، فكان خيار الألوان موفق حقق الكثير من
الأهداف الذي أراد منها الروائي إيصاله إلى المتلقي .
فالكاتب والروائي بارمادة يذكرني بهيلتزن مؤلف كتاب
أسرار الكتابة الكوميدية وهو يقول ( أنا نفسي تعلمت من خلال الكتابة ومن خلال
التنفيذ وقد واصلت الكتابة مراراً وفشلت مراراً أيضاً واكتشفت أني في مجموعة كبيرة)
وفي ضني ان الروائي قد حاول كتابة العديد من الروايات أيقن أنها لا تستحق النشر؛
ولكن هذه الخطوة الجريئة التي أتخذها والسير في الطريق الصعب لوضع بصماته على
الرواية العربية سيتعلم منها الكثير.
فقد أدهشني سالم بارمادة من خلال صناعته للمعنى وترابط
وتسلسل الأحداث والتي طالما يتعثر فيها الكثير. ولن أرجم بالغيب إذا قلت قد يكون
حافظ للقرآن وهذا الذي ساعده على صناعه المبنى والمعنى، وتشم وتطعم الثقافة التي
يتمتع بها الروائي في خلق جمل متشابكة ويتفرد ويتفنن في صنع جمل وفقرات، وأحسن في
الكثير من النقلات بين المراحل التي مرت بها الرواية وتعثر في أحيان .
أما أسلوبه: استخدم جملاً قصيرة. استخدم فقرات قصيرة. استخدم
لغة سهلة و سلسة وفي أحيان أستخدم اللهجة العامية السعودية بالرغم ان كاتبنا ولد
وترعرع في حضرموت في ظني نحن الحضارمة بسرعة البرق نتكيف مع الجوار،نأخذ على
لهجتهم بحكم التشابه في العادات والتقاليد، ومع هذا تظل هناك علامة استفهام هل
أراد ان يخاطب الحياة الجديد التي عاشها في السعودية أثناء دراسته الجامعية وبعدما
نسج العديد من العلاقات فكاتبنا أختار تفاصيل اليومية للحياة السعودية فهذا لاينقص
من قيمة الرواية. الرائع ان الروائي قد استخدمه صيغة الإثبات في كل حواراته فهذا
ُيحسب للكتاب ومدى تمكنه من اللغة وقواعدها وطريقة صياغة جملة الإثبات تاركاً جمل
النفي التي تخلق إشكالية في السرد.
وظل محافظ على شخصية البطل (حسان) تتبع أفعاله الجميلة
تجاه أخته وجدته وتجاه والده بعدما طردهم من البيت عبر الخالة.ان شخصية الروائي
بارماده عطوفة محب للمحيط الأسري في الواقع، فظلت هذه الروح ملازمته في الرواية. ويتجلى
ذلك في حنينه لذلك الرجل الذي كان سببا لوجوده في حياة الدنيا ولم يحمل حقداً على
خالته التي بوجودها قد أصابت الأسرة في مقتل وخلقت جرح لايندمل.
الروائي بارمادة لم يتعمق في وصف شخصياته من الأب والأخت
والجدة وصفا دقيقاٌ ففي الرواية يعتبر خلل فني فكان الأجدر ان يصف تلك الشخصيات
وصفاً دقيقاً مشاعرها وطريق حركتها وطريقة كلامها وإيماءاتها حتى يتخيل المتلقي
الصورة في ذهنه ويتعايش معهم كأنها حقيقة ناطقة أمامهم.التوغل في فضاء الزمان
والمكان للنص فقد تم توظيفه بشكل فني جميل مما أتاح للروائي الاستغناء عن العديد
من الجمل.
الذي أثار استغرابي ان الكاتب لم يصف مائدة الطعام وشكل
المائدة بشكل دقيق، حتى يقنع المتلقي تفاصيل الحياة اليومية، التشبيهات لم توظف
بشكل خلاق برغم من وجود المساحة فنية،لخلق العديد من الصور البلاغية، فالتشبيهات
والاستعارات،ركن من أركان الرواية، يتألق الكاتب من خلالهما،ويخلق خيال ممتع وشيق .الأمثال
تكاد تكون معدومة وهي من المرتكزات التي تحقق الغاية لتوصيل المعلومة بأسهل الطرق.
الرائع في الرواية غياب الألفاظ السوقية وزخرفة
الكلمات،غياب أي مشهد من مشاهد العنف اللفظي والجسدي. الكاتب لديه عاطفة جياشة
تدفعه دائماً لإعطاء الأسماء تدليعها وتدليلها ففي شعره النثري الذي تخلل النص
يلاحظ بشكل جلي، حتى الذي أستشهد به من الشعر الغنائي يدل على الذائقة الرائعة
والحس المرهف لدى الكاتب ويمتلك التمحيص والتدقيق في اختيار ألفاظه .
كنت أود ان يكمل الروائي الكاتب سالم محمد بارمادة جميع
ألوان الطيف،ولكن في تقدير الشخصي ان الروائي أراد ان يخرج من وضع يؤرقه ويلازمه
فأختار تلك الألوان ونثر ريشه ورسم لوحة تحمل معاناة الحياة اليومية,في ظني أراد
بارماده عدم اكتمال جميع ألوان الطيف ليجعلها متنفس للآخرين ليكملوا المشوار الذي
أبتدعه،أو ليصنع شئ جديد ويخوض تجربة أخرى بكل ألوان الطيف، كعادة الكتاب لاينظرون
إلى الخلف بل يسرعون باللحاق بالجديد،حتى لاتضيع عليهم سيولة الأفكار،وتذهب ريحها
وتشملهم حبسه الكاتب. في المجمل الرواية فيها كثير من الجمال ونوع جديد من الإبداع
الأدبي حين أختار الألوان لكي يخلق شكل من أشكال الرواية العربية الممتعة والشيقة.وهي
تستحق القراءة والإشادة.
0 تعليقات